الحقيقــــــــــــة المــــــــــــرة
عندما تجلس وراء مكتب على كرسي متحرك من النوعية الفاخرة وأمامك جهاز الحاسوب يراودك شعور لا يمكن أن تشعر به وأنت مستلق على فراش تحت سقف خيمة ضمن أحضان الطبيعة ومن حولك عدد لا بأس به من قطعان الماشية ، فالفرق كبير والبون شاسع بين هذا وذاك .
إنه لمن السخرية بمكان أن نتعامل مع حاضرنا بأسلوب متخلف وأن نبقي على ما توارثناه من تقاليد بالية وعادات عفى عليها الزمن ومن ثم ننزلها على أنها قيم وتراث الأجداد .
ولذلك لا يمكن لنا أن ندعي أننا جمعنا المجد من جميع أطرافه ونحن ما زلنا إلى الآن نقرأ ولا نفهم ما نقرأ ونستشعر المجد والفوقية على من سوانا ونحن ما زلنا في الحضيض نرى القشة في أعين غيرنا ولا نرى العامود في أعيننا ، ترى هل فقدنا التركيز على ذواتنا ولم نعد نرى أنفسنا بمرآة الحقيقة ؟ أم أنها أمراض النفس البشرية التي تتغاضى عن حقيقتها ضاربة بذلك عرض الحائط كيما نقنع أنفسنا أننا أصبحنا نمتلك كماً هائلاً من الثقة بالنفس علماً أن ذلك ما هو إلا محض خداع لذواتنا ، لأن الإنسان ليس أن يرى نفسه بالصورة التي يحب أن يرى بها نفسه ، إنما هو بالحقيقة المجردة التي يعكسها المجتمع بحكمه على أي منا سواءاً بالمدح أو بالذم .
فمن هنا وعود على بدء لا يمكننا إلا أن نستشعر كيف يكون شعور من اعتاد حياة البادية وسط رمال الصحراء وثغاء القطعان ونباح الكلاب بعد أن تجلسه على كرسي فاخر خلف مكتب يشعر بالفخامة والمجد التليد ومن أمامه جهاز حاسوب .
فبالإستقراء حتما ستصل إلى معادلة مفادها أنه سيكون في حالة عزلة شعورية تصل به إلى أن يرى الكرسي المتحرك ذي النوعية الفاخرة ما هو إلا عبارة عن حمار يمتطيه وهو يماشي قطيعه ، وجهاز الحاسوب ما هو إلا عبارة عن نوع جديد من الماشية لم يرها من قبل قد تعطيه من الحليب ما لم تجود به عليه ماشيته التي اعتادها .
هذه هي الحقيقة المرة التي ستواجهك عندما تتعامل مع من اعتاد نمطاً معيناً من الحياة متجذراً بذاته لا يمكن له منه فكاك ، ولكن علينا أن لا نلق باللائمة على غيرنا ما كنا نحن الذين جنينا عليه وعلى أنفسنا ووضعناه في مكان ليس هو أهلاً له وبذلك فسيتعب ويتعب من حوله ، فلذلك لابد لنا من إعادة صف الأوراق وبناء هيكلية ذواتنا ومعرفة أنفسنا معرفة حقيقة وليس معرفة غش وخداع ، لأن ذلك سيعود علينا بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا ما أغمضنا أعيننا عن هذه الحقيقة التي اجتالتنا وتغاضينا عنها .
يونس المعربوني
في 12 / 1/2008