كرامات الأولياء بين التوسط والغلو

أخلاق الحبيب صلى الله عليه وسلم،

فكان أرجح الناس عقلاً، وأكثرهم أدباً، وأوفرهم حلماً، وأكملهم قوة وشجاعة، وأصدقهم حديثاً، وأوسعهم رحمة وشفقة، وأكرمهم نفساً، وأعلاهم منزلة، ويكفيه شهادة ربه عز وجل له بقوله:{ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } (القلم:4).

وبالجملة فكل خلق محمود يليق بالإنسان فله - صلى الله عليه وسلم - منه القسط الأكبر، والحظ الأوفر، وكل وصف مذموم فهو أسلم الناس منه، وأبعدهم عنه، …

[ قراءة كاملة ]

[ حَدِيثُ الْمَلَكَيْنِ اللّذَيْنِ شَقّا بَطْنَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَتْ فَرَجَعْنَا بِهِ فَوَاَللّهِ إنّهُ بَعْدَ مَقْدِمِنَا ( بِهِ ) بِأَشْهُرِ مَعَ أَخِيهِ لَفِي بَهْمٍ لَنَا خَلْفَ بُيُوتِنَا ، إذْ أَتَانَا أَخُوهُ يَشْتَدّ ، فَقَالَ لِي وَلِأَبِيهِ ذَاكَ أَخِي الْقُرَشِيّ قَدْ أَخَذَهُ رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ فَأَضْجَعَاهُ فَشَقّا بَطْنَهُ فَهُمَا يَسُوطَانِهِ .
قَالَتْ فَخَرَجْت أَنَا وَأَبُوهُ نَحْوَهُ فَوَجَدْنَاهُ قَائِمًا مُنْتَقَعَا …

[ قراءة كاملة ]

ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام قال حدثنا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق قال ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين ، لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول عام الفيل .
قال ابن إسحاق : وحدثني المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن أبيه عن جده قيس بن مخرمة . قال
ولدت أنا ورسول الله ــ صلى الله عليه وسلم - عام الفيل فنحن لدتان .
…

[ قراءة كاملة ]

الحلقة الأولى

السيرة النبوية لابن هشام
الحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد وآله أجمعين

كرامات الأولياء بين التوسط والغلو

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

أما بعد :
أخي الحبيب إعلم هداني الله وإياك إلى ما يحبه ويرضاه ، أن الله تعالى قد أجرى على يدي أنبيائه ورسله خوارق العادات التي بهرت العيون وأعجزت العقول ، وسميت هذه الخوارق بالمعجزات ، وما كانت هذه المعجزات في يوم من الأيام عبارة عن عبث ، إنما كان يجريها الله على أيدي أنبيائه لغاية كبرى يؤيد بها عباده المرسلين وتوطيداً لدعوتهم وتثبيتاً لهم ولقلوبهم على الحق الذي أودعه الله في صدورهم .
ولقد من الله على سائر عباده المؤمنين به حق الإيمان بما يسمى ( الكرامة ) ، وهي أخت المعجزة لأنها أيضاً من خوارق العادات والمألوف .
والكرامة هي عبارة عن تصرفات من أعمال أو أقوال تصدر من شخص صالح مؤمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ورسولاً .
والكرامة هي مصطلح للخوارق التي تصدر عن الرجل الصالح ، وهي عبارة عن إكرام الله لعبده الصالح إظهاراً لقربه منه ومحبته له .
والكرامة جذرها ( كرم ) بمعنى زيادة العطاء ، والكرم يصدر عن الكريم وهي صفة لله جل في علاه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فيما يرويه عن ربه أن الله تعالى قال : ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته ، كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ورجله التي يمشي بها وبئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه ) .
فهذا الحديث يوضح تمام الإيضاح عن حال الشخص الذي يظهر الله على يديه الكرامة ، والولي هي صفة فعلية أطلقها الله تعالى على كل من اهتدى بهديه واستن بسنة نبيه واتقى المحارم وابتعد عن الشبهات مهما علت درجته أو دنت .
فالولاية من ( الولاء ) ، فأما أن تكون ولياً للرحمن ــ نسأل الله الثبات ــ وإما أن تكون ولياً للشيطان ، أعاذني الله وإياك من مزالق الشيطان ، والولاية كما هو معروف أنها درجات وليس كما يعتقد البعض أنها حكراً على أصحاب الخوارق من الصالحين ، وإنما هي كما بينها لنا رب العزة جل في علاه ، حيث قال ( الله ولي الذين ءامنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور ) .
والولاية على شقين ، فمنها الولاية الإيمانية ومنها الولاية الكفرية والعياذ بالله ، قال تعالى : ( والذين كفروا أولياءهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) .
فإذا ما أعدنا النظر فيما سبق علمنا علم اليقين أن ولاية الله عامة لجميع المؤمنين به حق الإيمان ، وأن الكرامة حق لكل من وجدت به صفة الإيمان بشموليتها .
فإذا ما علمنا حال الولي وحسن صفاته وكماله وعمق التزامه وموافقته للشرع ، وجب علينا التنبه إلى ما يسمى بالكرامات التي هي أبعد ما تكون عن الكرامة حيث المخالفة لنصوص الشرع وقواعده ، حيث غصت كتب المتصوفة أو دعاة التصوف بالخرافات عند عرضها على الكتاب والسنة لوجدناها مخالفة مخالفة تامة لنصوص الشرع من خلال الكتاب والسنة ، فليس كل ما هو خارق للعادة يطلق عليه تسمية ( كرامة ) .
خاصة إذا علمنا أن هناك من خوارق العادة ما يسمى ( بالإستدراج ) لشدة شبهها بالكرامة والإستدراج هو ما كان خارقاً للعادة وفيه من المخالفة للشرع الشيء الكثير سواء كان على صعيد العمل أو القائم به .
والإستدراج قد يكون أحياناً صادراً من شخص ما لايمت إلى الإلتزام بصلة لا من قريب ولا بعيد بحيث يشد من رأى منه هذه الخارقة إلى الإعتقاد بأن ما يراه هو عين الكرامة التي عن من آمن بالله رباً حق الإيمان ، وفي أحيان أخرى قد يحصل الإستدراج للشخص الضعيف الإيمان لتستدرج به نفسه ويغتر بها وبذلك يقع فريسة للهوى النفسي ومكائد الشيطان .
أما على صعيد ما دون قديماً وحديثاً في كتب دعاة التصوف ، فإننا نجد من الغلو الشيء الكثير إلى حد لا يطاق حيث غالوا في تعظيم رجالهم إلى حد الألوهية ، مما دفع البعض إلى عدم الثقة في بعض الرجال رغم علو همتهم وصدقهم والتزامهم بسبب غلو هؤلاء الكتاب وعدم تحريهم لما ينقلون من قصص دون قياسها وعرضها على ميزان الشرع ، مما أوقعهم في فتن قارئي هذه الكتب ، وإذا ما ناقشت أحدهم عن ما يوجد في بطون هذه الكتب من ترهات مخالفة للشرع تراهم يهربون من الموضوع خلسة تحت ستار هذا كلام مدسوس ، وإذا ما استمعت إلى أحدهم تراهم يحدثونك في هذا الكلام المدسوس على أنه كرامات ، وهنا تقع الطامة الكبرى عبر هذا التناقض العجيب الذي يبدو منهم حسب الشخص الذي يحدثونه . فعلى سبيل المثال لا الحصر ؛ كتاب ( جامع كرامات الأولياء ) كما يحلو لصاحبه أأن يسميه ، نرى فيه من المخالفات العقائدية ــ التي أوردها في اساطيره الخرافية الشيء الكثير .
وإليك أخي الحبيب مثالاً على تلك الخرافات وتبيان ما فيها من مخالفات عقائدية :
روي أنه كان في ما سبق رجل كنيته ( أبو بكر الهوار ) وكان هذا الرجل من كبار قطاع الطرق ، فإذا به ذات مرة يمر من جانب أحد البيوت فإذا به يسمع إحدى الأمهات تقول لابنتها ، ستنامين ؟ أم أنادي أبا بكر الهوار ؟ ، فقال يا رب بلغ بي الشقاء أن الأمهات تروع أطفالها بي !!! ، فقال يا رب إني تبت إليك ، فتاب من ساعته وأصبح في ما بعد من كبار الصالحين ، وأخذ العهد على الله من بعد وفاته أنه من طاف بقبره حرّم يا رب جسده على النار !!! ، أ .هـ .
ففي هذه القصة من المخالفات الشرعية نقاط عدة :
أ ــ أخذ العهد على الله لا يمكن لأحد أن يحققه ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إعملي يا فاطمة فإني لا أغني عنك من الله شيئاً ) .
ب ــ الطواف وهو ركن من أركان الحج فلا يجوز التعبد به لغير الخالق جل وعلا سوى في الزمان والمكان المحددين .
ج ــ دعوته الناس للطواف بقبره ، رغم حديث الرسول صلوات الله وسلامه عليه : ( لا تجعلوا قبري وثناً يعبد من دون الله ) . رواه الترمذي
وفي رواية لأبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) . متفق عليه
د ــ طلبه من الله أن يحرم جسد من طاف بقبره على النار ، وهو طلب في غير محله لأن ما بني على الباطل فهو باطل .
وهذا غيض من فيض من التفاهات والترهات الواردة في هذا الكتاب وغيره من الكتب التي اعتمدت على خرافات القصص التي غالى مروجوها أشد الغلو .
ومن هنا كان لا بد من التنبه أثناء الإيغال بموضوع الكرامة والأخذ منه برفق وتأن وعلى أسس القياس والعرض على الكتاب والسنة وموافقتها لهما فليس كل ما يسمى أو يدعى أنه كرامة هو حقاً كرامة ، وذلك حتى لا ننزلق فيه إنزلاقة لا عودة بعدها إلى الوراء ، لأن هذا الأمر من الخطورة بمكان من حيث أنه عقائدي وخفي إلا على من حباه الله بنور البصيرة .
والكرامة ليست هدف كما يحاول أهل التصوف العمل عليها وإظهارها بهذا المظهر حيث جعلوها ديدن حديثهم ويبنون على أساسها كثير من منطلقاتهم الفكرية وتقدسيهم للرجال بقدر ما يجري على يديه من كرامات حسب ادعاءتهم ، والتي لا ترقى إلى مستوى الصحة في كثير مما يذكرون من كرامات مدعاة لمشايخهم أو مدعي المشيخة والولاية .

يونس المعربوني
25 / 3 / 2013