جــــــراح وألــــــم

جراح وألم






كل منا يمر بتجارب في حياته يعيشها من وقت لآخر يرويها من وجهة نظره ومن هؤلاء شاب يروي لنا قصته
قائلا:
استيقظت علي صرخات وآهات .ماذا اسمع ؟ من يصرخ؟! لم أبالي بما أسمع .وفجأة ابتدأ الصراخ يعلو .ويعلو استيقظت منزعجا وتتبعت الصوت فإذا به يأتي من الغرفة المجاورة .هل تعلم من يسكن فيها؟ إنها أمي .ففتحت الباب قلقا شغوفا.فإذا بأمي تجلس علي سريرها وتتوجع . تلعثمت في الكلمات .أماه .أماه .ماذا ... ماذا بك ياأماه ؟!أجابت :قد اشتد المرض علي فقلت لها :أأحضر لك شيئا تشربينه؟أو أصنع لك شيئا تأكلينه؟ فقالت: لا إني محتاجه إلي الطبيب.فأقبلت مسرعا إلي أخي الأكبر.فأخبرته فنزل إليها ولكن . أين نذهب في منتصف الليل؟ فانتظرنا حتى طلع الفجر.وأمي تتوجع ويزداد قلقنا عليها وانشغالنا علي مرضها.حتى إذا ظهر الصباح ذهبت مسرعا لإحضار سيارة لكي تنقلنا إلي المستشفي وبالفعل وجدت السيارة فصحبت أمي أنا وأخي الأكبر وزوجته.وركبنا السيارة حتى إذا وصلنا إلي المستشفي.نظرت في الساعة فوجدتها السابعة صباحا.يجئ الطبيب الساعة الثامنة والنصف .ماهذا ؟ ماذا نفعل ؟؟أننتظر ساعة ونصف !؟ ومن يستطيع الانتظار؟
أمي تزداد حالتها سوءا ويشتد المرض والألم عليها...ويزداد قلقنا عليها .ولكن (ما باليد حيله).
فاضطررنا أن ننتظر .ولكن بين توجعات أمي وقلق أخي وجدت الدموع تنهمر من عيني فاضطررت إلي الذهاب بعيدا لكي لايراني احد وأنا ابكي .لم استطع مشاهدة أمي وهي بهذه الحالة.مرت الساعة والنصف وكأنها سنه ونصف .إلي أن حضر الطبيب فذهبت نحوه مسرعا (ساعدني يادكتور أمي مريضه).
الدكتور:أين هي أحضرها في الداخل
فأخذت أمي ودخلت داخل المشفي إلي أن وقفنا أمام الطبيب.فقام الطبيب بالكشف عليها وبعد أن انتهي
قال الطبيب:اذهبوا ا بها إلي معمل التحاليل لعمل فحص علي البطن
فقلت له:ماذا بها يادكتور ؟هل تشك في شئ؟
الدكتور:أن شاء الله كل شئ سيظهر ولكن بعد التحاليل.
وبالفعل ذهبنا إلي معمل التحاليل لعمل اللازم وانتظرنا ساعات إلي أن ظهرت نتيجة التحاليل.
تمنيت في ذلك الوقت أن كنت استطيع قراءة التحاليل .
فأحضرت الورق إلي الطبيب وكلنا ملهوفين إلي سماع نتيجة التحاليل ومعرفة الحالة.
فقلت: خير يادكتور.
الدكتور: للأسف فشل في وظائف الكلي.
للأسف اخبرنا الطبيب بالواقع المؤلم لمرض أمي.وهي فشل في وظائف الكلي معني ذلك أنها ستضطر للغسيل الكلوي باستمرار.
ماالعمل الآن ؟كيف سنخبر أمي بحقيقة مرضها؟؟؟
فاستعنت بالله وأخبرتها بحقيقة مرضها والحمد لله قد تقبلت الصدمة بإيمان قوي .وان الشفاء والمرض كله من عند الله .فسلمت أمرها لله واستجابت لأوامر الطبيب...
فحضرت جلسة الغسيل الأولي وعندها قد أحست بتحسن في المرض .فأحضرت السيارة وعدنا إلي البيت.
ففي أمس اليوم الذي كانت ستذهب فيه إلي المستشفي للغسيل قد اشتد المرض عليها وكأنها أحست بقرب اجلها .فأخذت تنظر إلي وتتوعك من المرض ولكن قد حان وقت عملي.وكنت اعمل ليلا فطلبت مني الذهاب إلي العمل ولكني كنت قلقا عليها فذهبت ولم استطع العمل في هذه الليلة.
وحل الصباح وقد انتهيت من عملي صباحا(كنت اعمل ليلا)فقدمت إلي البيت وفي غير العادة وجدت أمي نائمة وكنت قبل ذلك ادخل البيت أجدها في انتظاري لكي تحضر لي الإفطار ونفطر سويا فدخلت وتركتها نائمة لم أوقظها ولكن بعد دقائق أحست بوجودي فاستيقظت.
وهمت بإحضار الطعام ولكني طلبت منها الجلوس مستريحة وان لا تجهد نفسها.فقمت بإحضار الطعام إلي نفسي ثم بعد ذلك استأذنت منها وذهبت لكي أخلد إلي النوم .
وكانت هذه اللحظة الاخيره التي رأيت فيها أمي قبل وفاتها.ففي هذا اليوم (الاثنين الساعة الثانية عشر ظهرا)حان وقت جلسة الغسيل فاحضر أخي السيارة وأخذها وذهب إلي المستشفي وكنت وقتها نائما ولكني استيقظت قبل مجيئهم من المستشفي وسألت عنها ؟؟؟؟فأجاب من في البيت:لا لم تأتي بعد.
فخرجت من البيت إلي صديق لي حتى يأتي ميعاد قدومهم.
فجاءت الساعة الخامسة مساء.فإذا بصديق لي يخبرني بأنه رأي أمي وأخي ينزلون من السيارة أمام الشارع .
فعندها اطمأن قلبي وعلمت بوصولهم.فانتظرت ساعة بعدها وعدت إلي البيت.
وعند وصولي إلي الشارع وجدت الكل يجلس أمام بيته والصمت يخيم المكان.فقلت في عقلي ربما تكون مشاجرة بين احد في الشارع .فتقدمت ولكن ...!!ماهذا ....ماذا أري؟؟؟؟...
أري أناسا يتجمعون خارج البيت الكل ينظر إلي ويتهامس وأري في عيونهم نظرة الشفقة والعطف فلم أبالي بما أري فأسرعت خطواتي ورحت أتخبط في هذا وذاك...لا ادري ماذا يحدث.....؟؟؟؟
ماهذا الشئ الغريب الذي يحدث...؟؟؟؟؟؟!!!!! أري الضباب أمام عيني ...ماهذه الغيوم....؟؟؟؟ لم أري شيئا ولم اسمع سوي همسات أسرعت الخطوات....فإذا بالضباب يذوب ويذوب .حتى ظهر مبني أمامي...
هاهو قد اقترب البيت بالرغم أني مسرع الخطوات .إلا أنني أحسست ببعد البيت وكأنه قد ضاع مني الطريق..
اقتربت من البيت وعندما وضعت قدمي علي شرفات البيت وجدت قدماي تتوقف واضطراب في قلبي ....
من هؤلاء؟؟؟؟!!!...إنهم عائلتي.....!!!!الكل يبكون...فأصابني حاله من الدهشة والذهول.أري دموعا ..
أسمع اصواتا يعلوها الصراخ...أتساءل :ماذا حدث؟؟..... ماذا حدث...؟؟؟؟ لا احد يجيبني:
رأيت الطفل في بيتي***حزينا مفحما يبكي
رأيت دموع عينيه***كأنهار دما تجري
أنظر في من حولي الكل يبكي ولا افهم لأحد حديثا ولا أسمع غير صوت النحيب...وجدت باب غرفتي مغلقا فطرقت الباب .فإذا بفاتح يفتح الباب فنظرت فإذا بجثة يسترها الغطاء.
وبجوارها من يقرا القرآن والكل يبكي حولها... وبدون تفكير وبينما أصابع يدي ترتعش رفعت الغطاء
فإذا بعزيز لي نائم قد توفاه الله..ألا وهي ..أمي...لا...لا...لا..أماه.أماه.قبلتها بين عينها ووضعت الغطاء أنظر إليها فأحسست وكأنني في فضاء وحدي والظلام من حولي أصرخ باعلي صوتي..أماه..أماه... الدموع تنهمر من عيني لاادري ماذا أفعل.؟؟؟ ماذا أقول ..؟؟؟ تلعثمت كلماتي .وتعطلت عبراتي...أتساءل لماذا...؟؟؟
لا ادري عن ماذا أتساءل....؟؟ ..مااعلمه وما أعرفه هو أنها ذهبت وتركتني وحيدا أتخبط في ظلمات الدنيا
أنشدت لها قائلا:
في يوم طاهر رحلت ***** إلي الرحمن سيدها
وعاشت قدر.ماسألت***عن الدنيا وبهجتها
وبالتوحيد قد أمنت***بإجلال لخالقها
وكانت خير أخلاق***تسامت في سريرتها
فكان الكل في فرح****إذا ضحكت ببسمتها
فصار حديثها ذكري***وأنغاما نرددها
فيارباه دعوائي***إلي أماه فاقبلها
وهكذا رحلت عن الدنيا من تركت في قلبي (جراح وألم)

قصة السيد صالح أبو النجا